30‏/9‏/2009

رسالة من لاجئ إلى "أبو حسين" (1)

ياسر قشلق
(ياسر قشلق)
بعيداً عن طقوس التعارف المملة بين الناس، أقول في تعريف نفسي: أنا لاجئٌ فلسطينيٌ ما.. بدايةً؛ اعذرني إن لم أنادك باسمك «باراك أوباما»، فقد عودتنا مخيمات اللجوء نسيان أسمائنا واختيار ألقاب سخيفة نخيف بها بعضنا البعض من قبيل «أبو عذاب» أو «أبو جرّاح» إلى ما هنالك.

أيضاً؛ لك أن تعذرني إن لم أنادك بـ«سيدي الرئيس»، فأنا لا سيد لي سوى أنا، ثمَّ إني غير منتمٍ لدولةٍ ذات سيادة لأحترم بروتوكولات دولكم وطقوسها، لا حكومة لي ولا وزير خارجية ولا أحد.. أنا ببساطة لاجئٌ تخلت عنه لغته وتركت له «أبو حسين» مفردةً هشّةً يناديك بها، لهذا اقبل يا «أبو حسين» بواقعٍ لن تملك معه حولاً ولا قوةً تغيره فيها!!



«أبو حسين».. قد يدور بخاطرك سؤالٌ عن مناسبة إرسال لاجئٍ فلسطينيٍّ مثلي رسالةً لرئيسٍ أميركي مثلك؟ تيقن أنّي لا أفعل ذلك لأتسوّل وطني منك، فأنا أكبر من فعل هذا، ثم إنك لا تملك -ولن تملك- فلسطين حتى أستعيدها منك.


كل ما هنالك أنّي وجدت المسار الذي تمضي به وتدّعيه -مسار السلام في الشرق الأوسط طبعاً- سيفضي -إن لم يكن أفضى أصلاً- لأن تطلق وعداً تسميه «وعد أوباما» لن يختلف أبداً في نتائجه عن «وعد بلفور»، الأمر الذي من شأنه تكرار مأساتنا مجدداً بطريقةٍ فكاهيّةٍ سمجة تعيد نكء جراحنا التي لم تندمل منذ عام 1917 تاريخ إصدار آرثر بلفور وعده المشؤوم، ولأني أكره التكرار كما هي حالي مع الفكاهة، آثرت أن أثرثر معك قليلاً وأعرض عليك وجهة نظرنا نحن التائهين في هذه الأرض مما يدور في شرقنا، عسى أن تعيد النظر في حساباتك التي ستلغي شعباً عريقاً يكنّى بـ«شعب فلسطين»..


سأركز حديثي على ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخراً، أقصد ما لم يصبك منه خجل يوم تم طرحه، وسأترك جانباً ما تناقلته بعض التقارير هنا وهناك عن مخططات شيطانية تم تداولها في المكاتب المغلقة والتي تعاطت معنا بوصفنا كائنات فضائية لا بد من تصفيتها قبل أن تدمر المعمورة.


واضحٌ معك إذاً أن حديثي يدور عن الاستيطان الإسرائيلي الذي ادّعيت أن وقفه مؤقتاً لمدة تسعة أشهر من خلال ما سمّي اتفاقية «تجميد المستوطنات» سيفضي «حتماً» لقيام «الدولة الفلسطينية» المنشودة، هذه الاتفاقية في الحقيقة أثارت استنكاري من حرصك الزائد على مصالح إسرائيل أكثر بمراحل من مصالح أميركا، ففكّرت إذ ذاك؛ لمَ لا أقترح على «أبو حسين» -أنا اللاجئ الفلسطيني التعس- أن ينشئ حزباً في الولايات المتحدة يسميه حزب «أميركا أولاً» تيمناً بأحزابنا العربية «لبنان أولاً» و«مصر أولاً».. إلخ.. حزبٌ يكون همّه الأول مصالح واشنطن بدل تل أبيب؟! لم لا أقترح عليه أن يدعمني بإنشاء حزب «فلسطين آخر» لأستريح من تبعات اهتمامه بي؟! أوليس هذا حلٌّ يكفل تركنا لعذاباتنا؟! ألا يضمن هذا الحل بقاء «فلسطيني أخير» لدينا يطالب بحقوقنا -ولو رمزاً- بعد حين من الدهر؟!


المهم في الأمر.. سأعود لاتفاقك الميمون وأفترض سلفاً أنك لم تع أبعاده كاملةً، لذلك سنعيد، أنا وأنت، ترتيبه منذ البدايات وصولاً لانتصارك الأخير الذي حققته من خلال الاجتماع مع كل من عباس ونتنياهو معاً.


الاتفاق، كما شرّعتم بأنفسكم، يضمن صراحةً لإسرائيل مواصلة إنشاء الوحدات السكنية «قيد البناء» خلال فترة التجميد المزعومة، وفعلاً هناك ما يتجاوز الـ2500 وحدة سكنية ينطبق عليها هذا البند، وإضافة لهذا العدد هناك 1500 وحدة أخرى اتفق على إنشائها مبعوثكم إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل مع وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك وذلك حتى وقت إعلان «تجميد الاستيطان» منتصف تشرين الأول المقبل، المعلومة الأخيرة هي بحسب وزير البنى التحتية الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر، المفيد أن مجموع الوحدات في الضفة الغربية وحدها - عدا عن القدس التي لم يشملها اتفاقك المدهش- يصبح أربعة آلاف وحدة استيطانية! وهذا العدد من الوحدات السكنية يا «أبو حسين» -إن كنت لا تعلم- لم تستطع إسرائيل إنجازه خلال عام واحدٍ أبداً منذ عام 1967 وحتى اليوم، وأيضاً إن كنت لا تعلم هذا العدد من الوحدات يسمح لإسرائيل باستقدام أكثر من ثلاثين ألف مستوطنٍ جديدٍ إلى وطني، نعم، إلى وطني فلسطين!!


المفارقة يا «أبو حسين»، بالمناسبة أشعر أنّي أخاطب صديقاً قديماً وهذا بفضل اللقب الذي منحتك إياه، المفارقة أنك بمقابل هذا الإنجاز العظيم تطالب الدول العربية «المعتدلة» بالتطبيع مع إسرائيل ضمن ما بات يعرف بوادر «حسن نية»، وكأنك بهذا الخيال الخصب تتصور أن حل معضلة «الشرق الأوسط» يتلخص بتقرب العرب من إسرائيل ضمن طقوس «حبٍ عذري» بالية لم نمارسها علناً منذ أكثر من 1500 عام.


الحقيقة التي لم تدركها بعد يا «أبو حسين» أن «بعض العرب شهوانيون» لدرجة الفشل بممارسة «الحب الناشف»، و«إسرائيلك» مومس لم يعهد التاريخ فاجرةً مثلها!! فعلام إذا تفرض علينا هذه الطقوس التي لا طائل أبداً من تنفيذها؟


ورغم ذلك؛ أحب طمأنتك هنا أن «عرب الاعتدال» سيطبعون مع إسرائيل حتى لو أعلنوا عكس ذلك، لأنه وبصراحة لا سبيل لكشف أي شكل من أشكال التطبيع السري يقومون به، فعلى سبيل المثال لا طرف حيادياً عندنا لديه رادرات تراقب أجواء هذه الدول وترصد مرور الطيران الإسرائيلي فوقها، ومع يقيني أنك تدرك هذا الأمر أكثر مني، إلا أني فضلت أن أشير إلى ذلك لكوني كما أسلفت أشعر أنك صديقي، ولا سر يكتم بين الأصدقاء كما تعلم.


علاوةً على ذلك؛ وعدت إسرائيل بأنك ستكون متشدداً مع «عدو العالم الأوحد» إيران، وأنك ستزيد وتيرة العقوبات الدولية المفروضة ضدها لثنيها عن برنامجها النووي، وبالمناسبة أمرٌ كهذا يفرح إسرائيل أكثر بكثير من علاقات طبيعية لا ترغب بها مع دول متخلفة كـ«دول الاعتدال العربي»، فأقله ذلك يضمن لها أن تبقى الدولة النووية الوحيدة بالشرق الوسط!


أجبني بعد كل هذا؛ بمَ تختلف عمّن سبقوك حتى يعتبرك البعض في شرقنا مخلصاً جاء لتحريرهم، بماذا تختلف عن سلفك بوش؟ وعذراً لتشبيهك به فهذا فيه إهانةٌ لكليكما، أعتقد أن لا فرق بينك وبين أي منهم هذا إن لم يكونوا أفضل منك!


يتبادر إلى ذهني، والأمر على هذه الشاكلة، مجموعة أسئلة لا يكفي اتساع رسالةٍ لحصرها، منها: ألا يعلم «أبو حسين» يا ترى أن «دولةً فلسطينيةً» لن ترى النور بهذه الطريقة لا بعهده ولا بعهد غيره مادام استمر التعنت الإسرائيلي على هذا النحو؟ ألا يعلم أن إسرائيل تسخر منه أكثر من محمود عباس؟ ألا يعلم أنها تنوي طي صفحة الشعب الفلسطيني خلال حكمه مرّةً وإلى الأبد؟


أقول في سرّي: إن «أبو حسين» ساذج لدرجة أنه لا يعلم كل ذلك، حسناً؛ طالما هو جاد بوقف الاستيطان الإسرائيلي كما يدّعي، ومؤمنٌ أنه يؤدي لقيام الدولة الفلسطينية لمَ لا يستخدم أوراقاً رابحة بيد الولايات المتحدة من شأنها ثني الإرادة الإسرائيلية فعلاً، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قطع المعونات الاقتصادية عنها، وقف توريد شحنات الأسلحة، أو على الأقل إيقاف الدعم السياسي غير المحدود لسياساتها العنصرية؟!!


أعتقد أن لديك تفسيراً لكل ذلك، لكن أتدري يا «أبو حسين» ما تفسيري أنا؟ لدي تفسيرٌ وحيدٌ لهذه الأسئلة المشكلة لا أملك سواه إلى أن تثبت لي العكس، تفسيري هو أنك رجلٌ خائفٌ يرتجف حتى النخاع، أتدري لماذا؟ لأنك مُحتلٌ مثلي، مع فارقٍ يتلخص بأني مُحتل الأرض في حين أنت «مُحتل الإرادة»! وصدقني فيما سأقول: إن احتلال إرادتك أصعب بمرات من احتلال أرضي، ذلك أني مدركٌ أن أرضي محتلة وأنا أعلم السبيل لتحريرها، على حين أنت غير مدركٍ أن إرادتك محتلة، وإن أدركت ذلك.. فلا سبيل أبداً يضمن لك تحريرها.


نعم؛ أنت لا تختلف عن أي لاجئٍ على هذه الأرض، بل قل: إن اللاجئين يمتازون عنك بامتلاكهم حريّةً لطالما تشدقتم بها أنتم المنتمون لبلاد العم سام، حريةً يستطيعون معها شتم اليهود دون أن يتهموا بمعاداة السامية، حريةً تمكنهم من الحديث عن «الهولوكوست» دون أن تقام لهم محاكم دولية!


أترى معي كم نتمتع نحن اللاجئين بالحرية؟! رغم كوننا لا ننتمي أبداً لـ«عالمكم الحر»، أو ربما «عالمكم الحر» لا ينتمي إلينا وخصوصاً بعد يقيننا من أن دستور عالمكم الحر يقتضي بتصنيع أسلحة حرّةٍ تستخدم من قبل إسرائيليين أحرار بقتل أطفالنا في أي مكان يشاؤون.


المهم؛ وحتى لا يذهب حديثي معك أدراج الرياح، تعال بنا، أنا وأنت، نضع «خريطة طريق» صادقة أستعيد أنا بيت جدي في صفد وتستعيد أنت إرادتك.


تعال بنا ننبذ مبادرات السلام العربية والأميركية فكلها مبادرات تثير الضحك والسخرية أكثر من إثارتها لمعاني السلام السامية..


تعال نعترف بجرأةٍ تخلّد أسماءنا في التاريخ أن إسرائيل خطرٌ لا بد من إزالته قبل أن يستفحل أكثر من ذلك ويهدد بضياع وطنك..


دعك مني وفكر في بلادك أنت، ألا تخشى يا «أبو حسين» على كرامة أميركا من عبث رئيس الحكومة الإسرائيلية؟! ماذا تعتقد أنه يفعل بعد دعواتك المتكررة لوقف الاستيطان؟! أنا أتخيل أنه لا يستطيع الثبات على مقعده لشدة الضحك! فكيف تتخيله أنت؟! هل تتخيله مثلاً منتحباً بتأثير تعنيفك له؟ لا أعتقد يا «أبو حسين»، لا أعتقد، فصديقك فاقدٌ للإحساس حدود الشلل.


أنا لا أقول أن تشن حرباً على إسرائيل، بالطبع لا فهذه مهمتي، كما أني لا أطالب بطرد اليهود من أميركا، فأنا أكثر من يعرف آلام فراق الوطن، لكني أطلب منك مراعاة مصالح أميركا ضمن تعاملك مع إسرائيل دفاعاً عن بلادك أنت بالذات بوصفك سيد البيت الأبيض! فهل هذا مستحيل؟ هل يستحيل عليك أن تنشأ «لوبي أميركي» في أميركا يقف بوجه «اللوبي الصهيوني» هناك؟! هل يستحيل أن تقول: لا صادقة بوجه إسرائيل؟!


هذا هو لب رسالتي إليك، ولا موضوع آخر نتحدث فيه حتى لو رغبت في ذلك.


أودّ أخيراً أن أقول لك كلمةً من القلب: مسكينٌ أنت يا أوباما.. مسكينٌ لم يزدد بريق منصبك كما كنت تأمل وأمل معك مئات الملايين في مختلف أرجاء العالم.


مسكين لأن الصورة التي تحاول رسمها للولايات المتحدة كدولة عدالة ومساومة وحقوق مزقها صديقك نتنياهو قبل أن تكتمل ملامحها، ومسكين أخيراً لأنك ستدخل التاريخ مرتين: المرة الأولى كأول رئيس من أصل إفريقي للولايات المتحدة الأميركية. والمرة الثانية كأسرع رئيس جمهورية في العالم يفقد مصداقيته.


وأنا اللاجئ سأتابع أخبارك وقراراتك لأن هناك ربما بصيص أمل بالشعب الأميركي وشعوب العالم الحر التي اكتشفت مؤخراً فظائع إسرائيل، ولعل كل هؤلاء مجتمعين يحررونك من الاحتلال الإسرائيلي لإرادتك ونستيقظ يوماً لنسمع نبأ تأسيس حزب: الولايات المتحدة أولاً.

ليست هناك تعليقات: