29‏/7‏/2009

أنا حزين (3)

بقلم: ياسر قشلق
قبل البدء بكتابة هذه الزاوية؛ أصابتني حيرة حقيقية عن أي شيء ستكون، ليس ذلك لندرة الأحداث الحاصلة مؤخراً، بل لكثرتها وكثافتها كأحداث تجري في أيام قليلة، هذا من جهة، ولما اتسمت به من مفارقات غريبة -على مستوى الحقوق والحقائق- تسمح لهذا الأسبوع أن يكون أسبوع «صفاقةٍ علنية» بامتياز. سأختار من زحمة ما جرى حدثين أعتقد أنهما الأهم، وسأبدأ بأولهما وهو ثورة 23 تموز المصرية، التي صادفت ذكراها السابعة والخمسون يوم الخميس الماضي، طبعاً لن أتحدث عن عظمتها وأهميتها وهي لها ما لها في نفسي من إجلال وتقدير، ثم إني لا أجد مبرراً لتكرار ما عرفناه صغاراً عبر الكتب المدرسية، وحفظناه كباراً من خلال «حكواتي الجزيرة» الأستاذ هيكل. سأتحدث عن الجانب الاحتفالي للمناسبة، الأمر الذي فات على الكتب المدرسية وهيكل سوياً الحديث عنه؛ فأحدٌ لم يحكي لنا كيف يكون الاحتفال بثورةٍ ضد الظلم والاحتلال.. في بلاد شعبها مظلوم وأرضها محتلة؟!! ولم يخبرونا أيضاً كيف يحيي كائنٌ سفك دماء الشعب الفلسطيني كنتنياهو ذكرى رجلٍ حمل همَّ فلسطين إلى لحده كجمال عبد الناصر؟!! هي فعلاً مفارقة عجيبة! والأعجب منها حديث بعض المسؤولين وبعض وسائل الإعلام المصرية عن «نصر دبلوماسي» تحقق لسفير مصر في تل أبيب! أقول: طوبى للدبلوماسية المصرية نصرها، وطوبى لقائد ثورة يوليو ثورته فما زالت قادرة على اجتراح المعجزات.. أكثر ما لفتني في حضور نتنياهو احتفال السفارة المصرية هو حديثه عن «سلام حار» مع مصر! لفتني لأنني ما استطعت تفسير مصطلحه العبقري، فنحن سمعنا بسلام عادل وسلام الشجعان، وأنا شخصياً نحت مفهوماً جديداً للسلام أسميته «سلام المقاومة»، ومنحت جائزته قبل أيام للنائب عن مجلس العموم البريطاني السيد جورج غالاوي، لكني لم أسمع قبلاً بـ«السلام الحار»، كما أني لم أعرف السر الكامن خلف حرارته! أيكون –مثلاً- من القنابل العنقودية في جنوب لبنان؟ أم من الفسفور الأبيض في قطاع غزة؟ أم أنه حار لأنه ببساطة سلامٌ للشواذ؟.. بكل الأحوال تبقى فرضيات مشروعة إلى أن يفسرها مصدر ذو ثقة كالأستاذ هيكل. أتوقف عند هذا القدر من ذكرى ثورة يوليو؛ وأنتقل في الجزء الثاني من الزاوية للحديث عن مؤتمر فتح السادس المزمع عقده في الرابع من الشهر المقبل في مدينة رام الله المحتلة. خلال مؤتمراتها الخمس الماضية، والتي كان أولها عام 62 في الكويت وآخرها عام 88 في تونس، ناقشت حركة فتح على جدول أعمالها شقين رئيسيين، الأول: ما كانت تسميه «الكفاح المسلح»، والثاني: تفعيل العمل السياسي، وكلا الشقان كانا يتحركان بشكل رئيس ضد المصالح الإسرائيلية بوصفها العدو الأزلي للشعب الفلسطيني، أكثر من ذلك؛ اعتبرت فتح في مؤتمرها الخامس الولايات المتحدة عدو آخر للفلسطينيين لا تقل خطورته عن إسرائيل. أعود للمؤتمر السادس، وأستبق انعقاده بالسؤال عن جدول الأعمال المزمع نقاشه، هل سيأتي المؤتمرون على ذكر «الكفاح المسلح» ضمن جلسات المناقشة؟ وهل سيحضر (العمل السياسي) كوسيلةٍ للكفاح ضد إسرائيل أو أميركا؟ أعتقد أنه من النافل اعتبار أن إسرائيل ما كانت لتسمح بانعقاد المؤتمر تحت رعايتها لو لم تطّلع مسبقاً على القرارات المزمع اتخاذها، وأخشى أن يكون أحد هذه القرارات الإعلان عن «حركة حماس» كعدو للمرحلة المقبلة، وهو أمر غير مستبعد في ظل الإفلاس والتناقضات التي تعيشها حركة فتح، خاصةً بعد القنبلة التي ألقاها فاروق القدومي قبل أيام في وجه عباس والدحلان، أقصد اتهامه لهما في اغتيال الراحل ياسر عرفات، وعليه سيكون الإقرار بعداوة حماس محاولة منطقية لتصدير أزمات فتح الداخلية للخارج، وهو هنا قطاع غزة. وليس دفاعاً عن حماس؛ أقول: إن مؤتمر فتح المزمع محكوم سلفاً بالفشل، سواء أسمحت حماس بخروج أعضاء فتح من القطاع للمشاركة فيه أم لم تسمح، ويكفي لذلك انعقاده في ظل الاحتلال أولاً، ما يقتضي تقديم فروض الطاعة لإسرائيل. وثانياً؛ غياب أي أجندة تخدم بقاء فتح، اللهم إلا محاولة الحركة تكريس صهر نفسها في بوتقة السلطة الفلسطينية، وهو أمرٌ مؤكد الحدوث نظراً لإصرار عباس على عقده في الضفة الغربية حيث السيطرة الفتحاوية المطلقة، وحتى إن لم يعلن عن هذا في ختام المؤتمر، يمكن أن نتلمس حدوثه بشكل واضح في جلسات الحوار الوطنية المقبلة. ومع تمنياتي عدم حدوث أي من الفرضيات السابقة، أختم حديثي عن مؤتمر فتح. طالبني بعض الأصدقاء ألا أكتب عن الحزن مرّةً أخرى بعد آخر زاويةٍ لي حملت العنوان نفسه، وإني أسألهم أوليس احتفال السفارة المصرية بثورة يوليو على أرضي المحتلة مدعاةً للحزن؟! أوليس انعقاد مؤتمر فتح السادس تحت راية الاحتلال مدعاةً للحزن؟! حتى تعود ثورة يوليو ثورتي وعرس فتح عرسي.. سيبقى حزن فلسطين حزني.

ليست هناك تعليقات: